أحمد عاطف (القاهرة)

اعتبر خبراء جزائريون ومصريون أن وجود الجيش مهم للغاية في معادلة المرحلة الانتقالية ما بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من أجل الحفاظ على الاستقرار، وأجمع المحللون السياسيون في تصريحات لـ«الاتحاد» أن فترة الأشهر الثلاثة التي حددها الدستور الجزائري لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة غير كافية، وأن الجزائر في حاجة للتوافق على إدارة سياسية للمرحلة الانتقالية.
وأرسل بوتفليقة خطاب استقالته إلى الطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري الجزائري، وهو المجلس الذي تتجه أنظار المراقبين صوبه، باعتباره اللاعب الأساسي في إدارة الفترة الانتقالية واختيار الرئيس المقبل للجزائر، وبموجب المادة 102 من الدستور الجزائري، فإن الاجتماع وجوبي للمجلس الدستوري لإقرار حالة فراغ منصب الرئيس، ثم دعوة البرلمان بغرفتيه للاجتماع لإقرار ما سيحدث في الفترة المقبلة بأغلبية ثلثي الأعضاء، كذلك يتولى رئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح الرئاسة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يوماً بتكليف من البرلمان المجتمع بغرفتيه، ويمارس صلاحياته، وبعد هذه المدة، يجتمع البرلمان مرة أخرى ليستكمل رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة لمدة أقصاها 90 يوماً تجرى خلالها الانتخابات الرئاسية.
وقالت الدكتورة دلال بحري، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية جامعة باتنة الجزائرية، في اتصال هاتفي مع «الاتحاد»، إن استقالة بوتفليقة جاءت بعد حراك شعبي استمر لمدة شهر، وكذلك بسبب الرد القوي من قيادة الجيش الذي طالبه بضرورة التنحي دون إرجاء أو تأجيل، مضيفة «الأمر الذي توازى مع خروج الشعب الجزائري للاحتفال في الشوارع الجزائرية، كما ثمنت القوى السياسية تسليم بوتفليقة استقالته لرئيس المجلس الدستوري». واعتبرت بحري أن وجود الجيش في المعادلة أمر بالغ الأهمية «لدوره في عملية الانتقال السياسي، وهو آلية الانتقال السياسي، خاصة مع عقود الفساد السياسي الموجودة في الجزائر، وآخرها حل الهيئة الوطنية للانتخابات، في ظل عدم وجود رئيس شرعي يحكم البلاد، ولا يمكن لرئيس مجلس الأمة الذي تولى إدارة شؤون البلاد إصدار مرسومات رئاسية، الأمر الذي سيجد اجتهادات دستورية حول طريقة استدعاء الهيئة وطريقة تشكيلها».
وأشارت، إلى أن فترة الـ3 أشهر ليست كافية لإجراء انتخابات رئاسية، وإعادة تشكيل الجزائر سياسياً من جديد، خاصة مع الفترة الكبيرة التي تحتاجها إعادة تشكيل المؤسسات السياسية، لافتة إلى أنه مع الوقت نفسه، فإن ما توصلت إليه الجزائر اليوم يعد نجاحاً كبيراً وباهراً للحراك الشعبي، ويهدف للوصول للجزائر لبر الأمان.
وشددت على أن الأهم في الفترة الحالية هو التوافق على رئيس جمهورية، لإعادة بناء المؤسسات السياسية والدستورية في الفترة المقبلة، والعمل على بناء جزائر موحدة، بعد الفترة الماضية، والتي شهدت العديد من القرارات الانفرادية التي أدت في النهاية لخروج الملايين ضد الرئيس وتقديم استقالته، لينهي حقبة حكم استمرت 20 عاماً كاملة على رأس الجزائر.
وقالت الدكتورة نيفين مسعد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الجزائر لديها حلان مقترحان الأول هو حل دستوري بأن يقود عبدالقادر صالح السلطة لمدة 90 يوماً، ثم يدعو لانتخابات رئاسية، وهذا الحل يختلف عليه كثيرون في الجزائر، وعلى رأسهم الجيش. والحل الثاني وهو «غير دستوري»، ويتمثل في تشكيل مجلس انتقالي يجمع مجموعة من الشخصيات من تيارات مختلفة.
وأضافت مسعد أن الحل الثاني جاء لأنهم يرفضون الحكومة الحالية بالجزائر، ولابد في كل الحالات أن يكون هناك حكومة تسير الأعمال، وقطاع كبير من الجزائريين يفضلون الحل الثاني لأنهم مروا بتجربة مشابهة لمجلس انتقالي منذ عام 1992 إلى 1994 والآن يحاولون إحياءه من جديد، مشيرة إلى أن الشارع الجزائري أصبح لديه حنكة سياسية، وأن التيارات الإسلامية في الجزائر غير قوية كما يعتقد البعض.
ووصف طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، استقالة بوتفليقة بأنها «بداية الأزمة وليست حلاً للمشكلة مثلما يعتقد الكثيرون»، موضحاً أن السيناريو الجاري في دولة الجزائر الآن غير واضح وغامض بعض الشيء، وتعتبر الفترة القادمة بالنسبة للجزائر هي الأصعب، متسائلًا: «هل سيكون هناك خطة دستورية أم مواءمات سياسية، خاصة مع تحرك الأحزاب السياسية ومراكز القوى التي ستتصدر المشهد في الفترة القادمة؟»
وأضاف فهمي، أن المشاكل والأزمات السياسية لم تنته بعد، وذلك لأن الشعب الجزائري لم يسمح لأحد من أسرة بوتفليقة الوصول إلى الحكم مرة أخرى، هذا فضلاً عن أن المجلس الدستوري برئاسة الطيب بن عيد تجاهل الجيش الجزائري، متمثلاً في رئيس الأركان، وسيكون هذا افتعالاً لأزمة واضحة بين القوى السياسية الجزائرية.
وكشف فهمي لـ«الاتحاد» عن أهم مراكز القوى التي تتصدر المشهد السياسي في الفترات القادمة هم الرئاسة متمثلة في سعيد بوتفليقة، أخو الرئيس السابق، والمخابرات، ويمثلها الجنرال توفيق وهو المعروف بكونه صانع الرؤساء، وقيادة الأركان، وفي حال تحالف أي اثنين من هذه القوى فمن الطبيعي أن يسقط الآخر، مضيفاً أن الشعب الجزائري له بعض التحفظات على بن صالح كونه كان من الشخصيات المقربة للرئيس السابق، حتى أنهم يطلقون عليهم «بوتفليقة اتنين»، ونفس الشيء بالنسبة لنور الدين بدوي إذا ما أشرف على الانتخابات الرئاسية.
واعتبر الدكتور إبراهيم الشهابي، الخبير في الشؤون العربية والسياسية، أن استقالة الرئيس الجزائري بوتفليقة «متوقعة»، نتيجة سريان الأحداث والحراك الشعبي وما وصل له الهيكل السياسي الذي شهدته الجزائر خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى سيناريوهات وخيارات متعددة سترسم الفترة المقبلة «أخطرها هو أن تستطيع جماعة الإخوان والجماعات المشابهة لها والموالية أن تركب الحراك الجماهيري، وتحاول من داخل هذا الحراك أن تستولي على السلطة بشكل متدرج، لأن تصور الجماعة هو الوصول التدريجي على غرار ما جرى في تونس».
وشدد الشهابي لـ«الاتحاد» على ضرورة أن تكون قوى المعارضة في الجزائر أكثر حذراً، وأن تكون خياراتها واضحة في الحفاظ على مؤسسات الدولة، ومواجهة أي محاولات لزرع الفوضى والعنف، لافتاً إلى أن الحراك الجماهيري في الجزائر لابد أن يسير في اتجاهين، الأول التطبيق لخريطة الدستور في عملية نقل السلطة إلى عملية ديمقراطية شفافة ونزيهة لمعالجة الفراغ في السلطة، والثاني ألا تنقسم القوى السياسية في تصفية الحسابات السياسية، وألا تتخذ هذه الأحزاب السياسية المعارضة والحكومة الوطنية أي إجراءات راديكالية أو تصفية حسابات مع أي طرف من الأطراف، وأن يكون هناك حوار لدعم الاستقرار السياسي، وعدم الوصول بالحراك الجماهيري بالصدام مع مؤسسات الدولة.